حـكـايـة فـتـحـي !
قصة قصيرة ؛
بقلم
:
محمد علي محمد عبد القادر
كل ليلة تنتابني تلك الهلاوس العجيبة لا أدري لها سبباً ؛ منذ عام مضى لم تتوقف
، بالتحديد منذ يوم وفاة صديقي الوحيد ( فتحي ) .
.. ياااااااه ...
كان يوماً رهيباً تفاصيله محفورة في أعماق ذاكرتي لا يطمس معالمها نسيان و لا
يحجب ذكراها مرور الأيام .
لم يكن بيننا - أنا و ( فتحي) - إلا الأخوة الصادقة البعيدة عن المصالح ..كان صادقاً عاقلاً رزيناً بينما كنت - رغم صداقتي له
- بعيد كل البعد عن ذلك ، فحياتي ماهي إلا مجموعة من الأكاذيب المتتالية بلا سبب مفهوم
، لا أخفي عليكم فقد كنت استمتع بالكذب و التهور - الذي وصل حد الجنون - استمتاعاً
يفوق استمتاعي بالمخدرات !
نعم ، وبكل آسف كنت أتعاطى المخدرات - لم أكن مدمناً أو هكذا كنت أعتقد - لكن
انتهت علاقتي بها منذ يوم ذهبت إلى ( فتحي ) - حوالي السادسة مساءاً - وكان يوماً من
أيام الصيف الحارة الخانقة حيث قاربت أجازة آخر العام على الانتهاء والمكوث في المنزل
لم يكن حلاً مناسباً بالتأكيد !
و كعادته معي لم يكن راغباً في النزول لكنه وافق بعد إلحاحي الشديد رغم معرفته
أن وراء إلحاحي سر لا يخفى عليه .
كنت أعرف أن الأمر سيتطلب مني سماع محاضرة في أضرار المخدرات ومدى تأثيرها على
صحتي الضعيفة التي لا تحتمل أن أزيدها عذاباً على عذابها وكل ذلك الهراء ، فجسدي النحيل
أراه في المرآة كل يوم ولا اكترث لشكله المخيف فمتعة المخدر تجعلك تضحي بأي شيء مهما
كان غالياً!
ذهب معي - في ذلك اليوم - كالمعتاد ولم يتأخر رغم رفضه مع أنني لم أكن استطع
الذهاب بدونه لكنني كنت أهدده دوماً في كل مرة أن افعل و يا ليتني فعلت .. ليته رفض
الذهاب معي .. ليته وبخني .. ضربني .. فعل أي شيء كي لا نذهب هناك .
ماذا أقول سوى أنني سبب كل ما حدث، رعونتي وطيشي تسببا في ضياع أغلى أصدقائي
- فتحي - وضياع حياتي كلها من بعده .
أخذت سيارة أبي و ذهبنا إلى المعلم ( ربيع ) - التاجر - وعندما وصلنا تركت فتحي
بالسيارة ونزلت لـ (ربيع ) الذي كان على بعد خطوات جالساً على مقهى حقير على ناصية
حارة أكثر حقارة لكني لم أعد أتأفف من المكان .
قابلني بالترحاب فكنت صيداً ثميناً اشتري بلا حساب و أدفع بلا فصال و أذهب بلا
مشكلة ، كنت أعرف أنه لص ونصاب لكنني لم أكن أعرف من هو أفضل منه فبضاعته - والحق يقال
- كانت جيدة والوصول إليه كان سهلاً ، لكنني لا أعرف لماذا في هذه المرة غضبت فانفعلت
وانفلتت أعصابي ، هل لأنني كنت منفعلاً لاحتياجي الشديد للمخدر أم لأنه قد فاض بي منه
ومن سرقته المفضوحة لي
حقيقةً لا أدري لكنني أؤمن أنه القدر الذي جعلني أتشاجر معه
القدر الذي جعل ( فتحي )يترك السيارة ويأتي للدفاع عني بعد دفعة قوية من ( ربيع
)
ذلك القدر الذي جعله يتلقى ضربة (ربيع ) بدلاً مني ويردها له بأقوى منها
بالفعل إنه القدر الذي جعل (ربيع ) يخرج مطواته ويعالجه بها ليسقط جثة هامدة
ذلك القدر الذي جعلني أسقط مغشياً عليّ ثم استيقظ لأجد نفسي في هذه الغرفة تطاردني
تلك الهلاوس العجيبة
أراه يدخل الغرفة فيسأل عني وعن أحوالي ، يقسم لي أنه لم يمت ، يأتي كل يوم
فلا يعاتبني أو يوبخني على تسببي في مقتله .
أرى أمي تزورني فتقنعني بأشياء عجيبة فلا أصدقها و أصرخ فيأتي أحدهم ليحقنني
بسائل يجعلني استرخي فأنام و أحلم بذلك اليوم الذي تسببت في قتل ( فتحي ) وكل ما أتمناه
أن أموت وأقابله لأقول له كلمة واحدة
" سامحني يا صديقي
"
ولكن هل يفعلها ؟ أعرف أنه يحبني و سيفعل .
*
* *
- حاولت مراراً أن أشرح له
أنه كان يتعاطى ( الحشيش) وحيداً و عندما تشاجر مع ذلك التاجر أصابه إصابة سطحية أفقدته
الوعي لكنه لا يريد أن يصدق .
- للأسف ليس لدينا إلا الانتظار
ومحاولة إقناعه بهذا ، عذراً لكِ سيدتي .
*
* *
أعرفكم بنفسي ، اسمي ( فتحي ) ..
أو هكذا يناديني قريني الأرضي المسكين الذي يتهمونه بالجنون
للأسف لا يفهم من أنا ولا أستطيع أن اشرح له ؛ فهذا سر مقدس لدينا .
حاولت أن أوضح له أنني لم أمت بسبب تلك الطعنة لكنه لم يفهم ولن يفهم ! .
* * *
تمت بحمد الله
فكرة جديدة وكتابتها جميلة
ردحذف